يتزيّن الكون للضيف الحبيب.. وينتشر عبيرُه قبل القدوم في القلوب.. فتنتشي.. تتألّق.. وتحلم بأن يبقى العبَق.. حتى بعد الرحيل..هو محطة الأنوار.. مستودع الأسرار.. مدرسة التقوى.. محضن التزكية.. هوذا رمضان.. وأكثر.. فرصةٌ سنويّةٌ لا تُعوّض.. هو ذا مهدُ التغيير!
تترنّح من عناء نهار طويل.. هي لا تُحسِن إدارة البيت بشكل يليق.. فيدخل عليها مغاضباً.. ينزع ثوب الصبر على باب البيت فيتفاعل التعب مع الغضب ليُنتِجا شجاراً يهدّد أمن العائلة واستقرارها..
= هو: هل من الطبيعي أن تتصلي بي مراراً في العمل؟ ألا يوجد عندي إلا أمور البيت لأهتم بها؟!
- هي: تفاجأتُ بنقصٍ في الأغراض غيرَ تلك التي كتبتُها لك صباحاً فماذا أفعل؟
= هو: هذا من تقصيرك في متابعة المنزل! ارحميني! تَعبٌ وحَرٌ وصيامٌ.. وطلباتٌ لا تنتهي.!
- هي: كأنك وحدك الصائم! وأنا أعمل طوال النهار في البيت وأطبخ وأدرّس الأولاد.. وأنت أيضاً ارحمني!
ارحمهما جميعاً.. يا رب..
إدارة الزوجة للمنزل بذكاء.. وكذلك إدارة الوقت.. أمران في غاية الأهمية لتلافي الكثير من المشاكل.. وتحمّلُ أعباء المسؤولية المالية ومتابعة الزوجة بشكل هادئ يجب أن يقوم بهما الرجل مع طول بال وصبر كبيرين..
وفي رمضان بالذات تختلف الكثير من العادات، وربما رمى البعض غضبه وتعبه على الصوم وكأنه يَمْنُنُ ويستكثِر! فذاك ما درى مغزى الصيام ولا فَقِهَ مفرداته! فماذا يعني صياحه: دعوني أنا صائم! ليأتي الرد: ارحموني أنا أيضاً! ؟.
أيهاالزوج.. أيتها الزوجة.. تمهّلا.. وقِفا وقفة مع النفس هامّة.. فإن الأمر جِدّ! رمضان شهر التغيير للأفضل في كل الميادين: الروحية والتعبديّة والنفسية والجسدية والفكرية.. والعاطفية.. فلا تفوّتا الفرصة بالجدل والصراخ أو اللامبالاة.. بل إغتنماه لإصلاح ما فات والتمهيد لتجويد ما هو قادم من الأيام بإذن الله جل وعلا.. وهذه باقة من النصائح أهديها لكما علّها تكون مفتاحاً للسعادة في الطاعة التي يتفضّل بها علينا المولى سبحانه وتعالى:
•= إخلِصا النيّة في إرتباطكما.. وإجعلاه لله عز وجل.. وإنشُدا التقوى في هذا الزواج كما في الصيام..
•= إجلسا مع بعضكما قبيل رمضان، ولتكن خطّة مُحكَمة لا يَنُفذ منها سهم شيطان مهما صغُر، وإستفيدا من تصفيد شياطين الجنّ وأبعِدا شياطين الإنس مهما كانوا من الأقرباء!
•= ناقِشا ما فات من مشاكل عالِقة إن أمكن ذلك حتى لا تبقى تنخر في جسد هذه العلاقة فتصطدما يوماً بفكّ الإرتباط لأسباب قد تبدو واهية بسيطة! إذ إنه من الصعب أن يتحمّل الزوجان بعضهما البعض إن لم يعِيا مهمّات كل واحد منهما ويتحاورا بهدوء ورويّة.. وكثيراً ما يكون الشجار من أجل سبب ظاهريّ بسيط ولكن القلوب تغلي.. من تراكماتٍ ربما.. أو ملفاتٍ ما زالت مدفونة دون حل!
•= درِّبا نفسيكما على الصبر والمصابرة والإصطبار.. فلا مُنجي من الإعصارات الزوجية غير ذلك.. ولا تدّعيا أن الطبع يغلب التطبّع.. فإن الصبر بالتصبّر والحلم بالتحلّم والعلم بالتعلّم.. والإرادة والعزيمة صِنوان! ومن ترك الشهوة إلى ميقات فبإستطاعته -إن حَسُنَ توكّلُه على الله تعالى- أن يدَعَ غيرَ ذلك إن إقتنع بآثاره السلبية!
•= رمضان هو شهر التغيير بإمتياز.. فكثيرٌ من العادات تتغيّر فيه تلقائياً، كمواعيد النوم والأكل.. إغتنما هذا التغيير لتبديل نمط الحياة المادية والإستزادة من القُرُبات لتستمر ولا تنتهي مع إنتهائه..
•= لكلّ واحد منا بعض الزوايا في النفس والخُلُق التي لا يرضى عنها ويحاول إخفاءها.. اجردا تلك الثغرات وتعاهدا على أن يكون رمضان هذا العام محرّك الإرتقاء وتهذيب النفس وليس فقط عبادات متكررة..
•= السلوك إنعكاس للتفكير فلا تدعا رمضان يمضي دون أن تجعلا الإيجابية رفيقة العقل، بل لصيقته!
•= كثيرٌ من الناس يسأل كيف يحارب الفتور في حياته الزوجية، وهذا أفضل المواسم لتجديد العلاقة على كل الأصعدة.. وخاصة من جهة التلاقي.. إن على المائدة أو العبادات.. فإغتنما!
•= طلِّقا المُلهِيات والفضائيات التي تسرق الوقت وتنشر اللهو في أفضل أيام العام حتى باتت تتبارى في ذلك، وليكن شعاركما: عجِلنا إليكَ ربنا لترضى!
•= خفِّفا من الأكل وباقي متطلّبات الجسد حتى لا يُتخَم الجسد فتخبو الروح وتغيب!
•= لتتذكّر الزوجة أن المقصد الأسمى من الصيام هو التقوى وليس الأكل، فلتخفِّف من الطلبات ولا تُرهِق كاهل الزوج بكثرتها.. وكذلك الزوج عليه أن لا يُرهِق زوجته بكثرة تنوّع الطعام ليتسنّى لها إغتنام الأوقات في العبادة.. ولا بأس إن ساعدها في إعداد الطعام في أيام عُطَله ليُشعِرها بالإهتمام والمساندة..
•= إحرِصا على تفطير الصائمين من ذوي القربى والجار الجنب والمساكين.. وفي هذا العام لنا إخوة قد إبتلاهم الله جل وعلا بترك الديار، فلهم علينا حقوق الأخوّة في الله، فلا يجب أن ننساهم، ولْنُكرِمهم كما أكرم الأنصارُ المهاجرين الذين آثروهم على أنفسهم وكان بهم خصاصة!
•= لا تهملي أيتها الزوجة هندامَك وشكلك لأنك صائمة.. بل عليك أن تكوني نظيفة أنيقة خلال يومك لتكوني أميرةً بنظر زوجك كُلَّ حين..
•= لا تجعلا عزومة الإفطار عند الأهل سبباً للخصومة.. وليكن موعد يوم الإفطار عند أهل الزوج قبل موعد أهل الزوجة إن كان الترتيب مهماً عنده.. فحسن التبعُّل هو الأهم..
ليكن رمضان أيها الزوجان هذا العام كما يرضى الله جل وعلا وكما ترغبان.. أوّله مسامحة وعفوٌ عمّا سلف.. وأوسطه التصاق روحي ورضا وتقبّل.. وآخره مودّة ورحمة وسكن.. وكذا.. حتى اللقاء في أعلى الجنان.. بإذن ربّنا الأعلى..
الكاتب: سحر المصري.
المصدر: موقع الألوكة.